الأصل العام أن الشهادة تؤدى اختياراً، إلّا أن الفقهاء تعرضوا لمسألة إحضار الشاهد بالقوة في بعض الأحوال.
ولا يتعارض هذا مع مبدأ حرية الشهادة، إذ المقصود هو الإلزام بالحضور وليس الإلزام بالشهادة، فهناك فارق كبير بين الأمرين، إذ أن الاستدعاء لأداء الشهادة وليس لأدائها على صفة معينة، فلا يوجد في إحضاره إكراه على الشهادة أو إضرار به، فالمطلوب حضوره ليشهد بما يتحمل في ذمته أيًا كانت شهادته.
فهناك حالات قد تستدعي إحضار شاهد ما لأهمية ما يدلي به في شهادته وتأثيره في نظر الدعوى مثل الدعاوي التجارية، ولهذا عدة صور منها:-
1- أن الشهادات المدونة في عقود تجارية، فغالبًا ما يتضمن العقد شهادة للشهود الذين شهدوا على العقد، ويطلب أحد أطراف الدعوى سماع شهادتهم.
2- في مسائل المخالصات أو التسويات المالية، وهي الأخرى غالبا ما تتضمن شهادة شهود.
3- شهادة استشاري المشروع في عقود الإنشاءات وما يشبه ذلك، لأن شهادتهم مؤثرة جدًا في نظر الدعوى، وفي مثل هذه الأحوال وما شابهها، وعند إبداء أحد الأطراف طلبًا بسماع شهادة شاهد، فإن الأصل أن يكلف بإحضاره باعتباره المكلف بالبينة وإحضارها.
ويرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية أن الشاهد إذا دعي للمحاكمة فيجب عليه أن يحضر استنادًا إلى النصوص العامة مثل قول الله تعالى: “ولا يأب الشهداء إذا دعوا”. وقوله تعالى: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةً وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ائِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ .
قال الشافعي رحمه الله تعالى: “الذي أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضاً عليه أن يقوم بها.
وقد أفتى مفتي الديار السعودية في حينه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى في بعض فتاواه بما نصه: (أن الذي نراه أن الشهود إذا كانوا في البلد أو فيها دون مسافة القصر ودعوا إلى أدائها في مجلس الحكم لزمهم ذلك، ولا يسعهم التخلف عن أدائها وهم قادرون على ذلك، لأنهم منهيون عن الامتناع لقوله تعالى: “ولا يأب الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا” فإن امتنعوا وتحقق أن لديهم شهادة كلفوا بالحضور في مجلس الحكم إذا لم يكن عليهم ضرر، أما إن كانوا غائبين عن البلد مسافة قصر فأكثر فإنهم لا يكلفون بالحضور، لأن في ذلك كلفة ومضارة لهم، ولذا ينبغي استخلاف أقرب قاضي لهم في سماع ما لديهم من شهادة، ومتى أحب المشهود له أو المشهود عليه سماع شهادة الشهود لدى القاضي المستخلف فله ذلك).
فالأصل العام أن يحضر من يكلف عبء الإثبات إثباته بنفسه، فلابد أن تقيد هذه الحالات بضوابط، وهو ما جاء في بعض أحكام القضاء التجاري والمتضمن أنه ليس من شأن القضاء إلزام الشهود في الخصومات الخاصة بالحضور أو إجراء التحقيق في هذه الأمور. والمدعية على لسان وكيلها هي التي سمت الشهود في مطالبتها تجاه المدعى عليها وتقع عليها وحدها مسئولية جلبهم وإذا لم يحضروا فليس لها أن تستشهد بهم مالم يدلوا بشهادتهم أمام القضاء الحكم رقم ٢٢١ / ت / ٤ لعام ١٤١٥هـ).
وقد استند القضاء التجاري في بعض أحكامه على شهادة شهود العقد، واستند على كون الشهادة من شاهدي العقد ووصفهما بأنهما : (من ارتضاهما الطرفان شهودا للعقد)، وأخذ بهذه الشهادة وقضى بها، بما يعني أن لهذا الاتفاق وهذا الرضا أثره (الحكم رقم ٨/ د/ تج / ١٦ لعام ١٤٢٧هـ والمؤيد من محكمة الاستئناف.
ومن ذلك ما جاء في الحكم رقم ۱۲۷ / د/ تج / ۲ لعام ١٤٢٥ هـ في القضية رقم ٣٧٥ / ت / ٣ لعام ١٤٢٦هـ حيث استدعت الدائرة شاهد العقد وقرر أن المدعى عليه وقع العقد أمامه.
ونهايـة فإنه في حال الامتناع في الأحوال المذكورة أعلاه ليس ثمة ما يمنع من طلب الإجبار لإحضار الشهود.
———————————–
بقلم: د. محمد جلال عبد الرحمن
كاتب وباحث وحاصل على جائزة الدولة في العلوم الرقمية- محام بالنقض- مستشار قانوني بالسعودية .
بريد الكتروني:- law_eg2011@hotmail.com