اثر المدونات القضائية على برمجة الأداء القضائي
تعد المدونات القضائية مصدرًا من مصادر المعرفة بالنسبة للقضاة خاصة وإن كانوا مستجدين في العمل القضائي أو للمتقاضين أو المحامين لما لها من اهميـة بالغـة على تنمية الفهم بالقانون وتفسيره أو تأويلـه.
والمقصود بتنمية الفهم بالقانون أو تفسيره أو تأويله أي “زيادة” هذا الفهم لديهم عن نظرائهم حتى وإن كانوا اكبر منهم عمرًا أو خبرة، ففي القضية أو الموضوع الواحد تجـد مئات الأحكام والاجتهادات القضائية.
ورغم الدور الايجابي للمدونات القضائية لكن يرتبط بها دور سلبي لا يمكن غض الطرف عنه أو تجاهل الخوض فيه خاصـة إذا برمـج القاضي أداءه القضائي دون بحث أو تأمل القضايا المطروحة عليـه، فأحيانًا يبرمج أداءه أو احكامه على صحة آداء نظرائه من القضاة السابقين.
والحقيقة أن ما يجب على القاضي هو الفصل في القضايا التي تطرح عليه على استقلال حتى وإن كانت متماثلة مع قضايا سابقة، فليس له أن يكرر آدائه ولو كان صواباً في قضية فصل فيها بالأمس في قضية تطرح عليه اليوم مصداقاً لقول الخليفة عمر: ” ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك ما ليس في كتاب الله تعالى ولا سنة نبيه ثم اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بنظائرها واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أو بينة أمداً ينتهي إليه، فمن أحضر بينة أخذت له لحقه واستحلل القضية عليه فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعمى”.
فالاجتهاد هو اصل العمل القضائي، وهو ما يحتم على القاضي ألا يكون أسير السوابق القضائية وعلى وجه الخصوص بعد تنامي ظاهرة برمجة الآداء القضائي من خلال شيوع نماذج الأحكام القضائية ونشر المدونات القضائية التي تجري عليها المحاكم حتى وإن كان هناك شطط في الحكم القضائي لان ذلك يحرم القضاة من الاستثمار في تنمية فهم القانون وتأويله ويحبط لديهم هذه المهارات وهو ما يكون على حسب التأويل والفهم ويجعل الخطأ في الآداء القضائي متوارثُا جيلا بعد جيل، فتصبح هذه الاخطاء مع الوقت مبادئ قضائيـة وهو ما يخالف شرع الله الحنيف في قوله تعالى: “فأحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط”.
محمد جلال عبد الرحمن
error: جميع حقوق الموقع محفوظة