الاصل سرية المحادثات التليفونيـة بين اطرافها احترامًا للحق في الخصوصية وحفاظًا على الحق في الحياة الخاصة وهو حـقُ مصون كفله الدستور والقانون.
وقد جاء في حديث النبوي الشريف:”إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة”، وهذا الحديث الشريف يوضح أن التنصت على المكالمات الهاتفية للأخرين خيانة.
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما صعد المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله”.
وقد أوضحت دار الافتاء أن تفتيش الهواتف وتسجيلات المكالمات تعد من الأمور المنهي عن القيام بها في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية أيضًا.
وبعد انتشار المقاطع الصوتية المسجلة على وسائل التواصل الاجتماعي وظهور ثورة الاتصالات التقنية الهائلة وتعرض بعض المواطنين لاختراق حياتهم الخاصة بتسجيل محادثاتهم دون إذن، فقد كان من اللازم تأكيد أن عملية تسجيل المكالمات الهاتفية دون إذن أصحابها جريمة تندرج تحت جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين فقد حدّد القانون المصري عقوبة من يجرى عملية التسجيل بالحبس مدة لا تزيد على سنــة حيث تنص المادة (309) مكرر من قانون العقوبات على أن “”يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون”.
فإذا جرى تسجيل إحدى المكالمات وتعرّض صاحبها للتهديد بإفشاء أسراره التي جرى الحصول عليها من هذه المكالمة ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدّة قد تصل إلى (5) سنوات، أمّا إذا كان الفاعل صحفيًا فإن العقوبة يتم الحكم عليه بالعقوبة الأشد ويضاف إليها المادة (21) من قانون الصحافة.
وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 14348 لسنة 65 قضائية تسجيل المكالمات بغير علم الطرف الآخر جريمة يعاقب عليها القانون ولا عبرة بالباعث على تسجيل المكالمات، بمجرد التسجيل يعتبر إعتداء على الحياة الخاصة ” .
امّا بخصوص تسجيل المكالمات من قبل شركات الاتصال، فقد أفاد رئيس القطاع المسؤول عن شركة الاتصالات أن سرية المكالمات حق من حقوق العملاء ولا يمكن انتهاك هذا الحق من قبل شركات الاتصالات كما أن المكالمات الهاتفية لا يمكن تسجيلها إلّا بأمر قضائي، وكذلك أوضح أن رجال الأمن هم المختصون بتسجيــل هذه المكالمات ولا تقوم شركة الاتصالات بهذه المهمة على الإطلاق، وفي حالة طلب المحكمة لهذه التسجيلات لا يمكن على الإطلاق أن تقوم شركة الاتصالات برفض هذا الطلب بل تقدم بيان بالمكالمات التي قام الشخص بإجرائها.
وكذلك ينتج عن قيام الزوج أو الزوجة بتسجيل المكالمات لبعضهما البعض تطبيق عقوبة تسجيل المكالمات أيضًا التي تنص عليها القانون المصري.
وهناك رقابة أخرى على المكالمات الهاتفية الصادرة بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية لجريمتين منصوص عليهما في المادتين 166 مكـرر و 308 مكرر للجريمة.
1. الجريمة الأولية: كل من تسبب عمداً في إزعاج الآخرين بإساءة استخدام أجهزة الاتصال الهاتفي.
2. الجريمة الثانية: من قذف بالآخر هاتفيا ، يأذن له رئيس المحكمة الابتدائية بهاتين الجريمتين وفقا للمادة 95 مكرر من أصول المحاكمات الجزائية.
3. يأمر بوضع الهاتف تحت المراقبة خلال المدة التي يحدّدها المشرع، فإذا ما تم التسجيل بموافقة الضحية وعلمه فلا جريمة، فلا داعي للحصول على إذن قضائي في هذه الحالة، وهذا ما تتبعه بعض شركات الاتصالات التي تباشر رسالة صوتية عند الاتصال بها لإعلامك بإمكانية تسجيل المكالمة لضمان خدمة العملاء.
4. بالإضافة لما سبق فقد يشكل محتوى المكالمة المسجلة جريمة اساءة أو تشهير.
5. كما أن هذه التسجيلات ليست صالحة قانونًا ولا ينتج عنها أي أثر قانوني أمام المحكمة، والشخص الذي قام بتسجيلها يخضع للمساءلة القانونية.
وكذلك يعد التنصت اعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة للأفراد، حيث نصت المادة (57) من دستور عام 2014م أنّ تسجيل المكالمات يدخل في نطاقة المراسلات البريدية والإلكترونية والبرقية، ويشمل أيضاً المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات المختلفة.
ويستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره في مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، كما أنّه لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك لكونها ملك للعامة ويشترط في ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية، ويحق للقاضي فقط إعطاء أوامر بتسجيل المكالمات وذلك وفقًا لما ورد في نصوص المواد 95 و95 مكررًا و206 من قانون الإجراءات الجنائية.
ويعتبر التسجيل الصوتي دليلًا في القانون المصري وأمـرُ مشروع يجيز للأشخاص القيام به بشرط توافر الآتي:-
– الحصول على أذن قضائي من القاضي المختص بإصدار الأذن بالتسجيل الصوتي.
– يشترط أن يكون التسجيل سبب في ظهور الحقيقة عند ارتكاب جريمة ما.
– يجب أن تكون مدة التسجيلات محددة، وكذلك يشترط أن تكون مدة المراقبة محددة أيضًا.
– يشترط أن يتم الحصول على أذن من الشخص قبل تسجيل المكالمات حتى لا تكون هذه التسجيلات جريمة يعاقب عليها القانون.
ونهاية فأن تسجيل المكالمات التليفونية دون علم صاحبها يعد عدوانا على الطرف الآخر دون النظر في الباعث أو الدافع إلى ذلك وهذا ما نصت عليه الكثير من النصوص الشرعية ونصوص القانون في اكثر من موضع صونًا وحفاظًا لحياة الانسان الخاصة.
بقلم:
محمد جلال عبد الرحمن، محـامٍ وكاتب حاصـل على جائـزة الدولـة في العلوم الرقميـة
بريد الكتروني mdgalal3@gmail.com